حذرت وكالة البيئة الأوروبية من أن القارة العجوز تقف أمام أخطر تحديات بيئية فى تاريخها الحديث، مع تهديد الأمن الغذائى والمائى وفقدان التنوع البيولوجي نتيجة التغير المناخي والتلوث والتوسع العمرانى، مؤكدة أن العقد الحالى سيكون حاسمًا لمستقبل أوروبا.
وأصدرت وكالة البيئة الأوروبية، اليوم، تقريرا موسعًا يكشف عن أزمة بيئية متفاقمة تهدد مستقبل القارة الأوروبية، وأكد التقرير أن التغير المناخى والتلوث وضعا الموارد الطبيعية على المحك، وأن أوروبا قد تكون على أعتاب كارثة بيئية إذا لم تتخذ إجراءات عاجلة، حسبما نقلت صحيفة لاراثون الإسبانية.
بحسب التقرير، فإن أكثر من 80% من المناطق الطبيعية المحمية فى أوروبا، والتى أنشئت للحفاظ على التنوع البيولوجى، تعانى من التدهور بسبب الضغوط البشرية والتوسع العمرانى والتلوث الصناعى، وأشارت الوكالة إلى أن الغابات تتعرض لتدهور متسارع، بينما تواجه الأنهار والبحيرات مستويات مقلقة من التلوث، فى حين تُستنزف التربة الزراعية بفعل الممارسات المكثفة.
وحذر التقرير من أن ارتفاع درجات الحرارة الناتج عن تغير المناخ أدى إلى اضطرابات حادة فى أنماط الطقس، بما فى ذلك موجات جفاف طويلة الأمد، وفيضانات مدمرة، وعواصف عنيفة. هذه الظواهر المناخية المتطرفة لا تهدد البيئة فقط، بل تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين، والأمن الغذائى، والاقتصاد الأوروبى.
وأشار التقرير، إلى أن فقدان التنوع البيولوجى أصبح خطرًا موازيًا للتغير المناخى، حيث يواجه أكثر من ثلث أنواع الطيور والثدييات المهددة فى أوروبا احتمالات الانقراض. انهيار النظم البيئية يعنى تراجع الإنتاج الزراعى، ارتفاع أسعار الغذاء، وتدهور جودة المياه، وهو ما يضع الأمن الغذائى والمائى فى القارة تحت ضغوط غير مسبوقة.
ورغم ريادة أوروبا فى تبنى سياسات المناخ والبيئة، إلا أن الوكالة حذرت من أن القارة قد تفشل فى الوفاء بالتزاماتها ضمن اتفاق باريس للمناخ، خاصة مع استمرار اعتماد بعض الدول الأوروبية على مصادر الطاقة الأحفورية، إلى جانب البيروقراطية والتعقيدات المالية التى تعيق التحول الأخضر.
وأوضحت الوكالة، أن موارد المياه فى القارة تواجه أزمة متصاعدة، إذ يعانى نحو ثلث سكان أوروبا من نقص فى المياه العذبة، نتيجة تراجع مستويات الأمطار وزيادة الطلب على المياه فى الزراعة والصناعة، كما حذرت من المخاطر البيئية للطاقة النووية، حيث يؤدى استخدامها المتزايد إلى رفع حرارة المجارى المائية، مما يؤثر سلبًا على الحياة المائية.
وأكدت الوكالة، أن أوروبا بحاجة إلى مضاعفة استثماراتها فى الطاقات المتجددة مثل الرياح والشمس، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفورى، كما أوصت بوضع سياسات زراعية أكثر استدامة، تقلل من الاعتماد على المبيدات والأسمدة التى تستنزف المياه وتزيد من التلوث.
إلى جانب ذلك، شدد التقرير على ضرورة تعزيز المحميات الطبيعية وربطها بممرات بيئية تسمح للكائنات الحية بالتحرك بحرية، للتقليل من عواقب تجزئة الموائل الطبيعية. كما دعا إلى تطوير التشريعات لمكافحة التلوث الصناعى، والحد من استخدام المواد الكيميائية الضارة، مع إشراك المجتمعات المحلية فى خطط الاستدامة وتعزيز التعليم البيئي.
وأكد التقرير، أن “نافذة العمل تتقلص بسرعة”، محذرًا من أن السنوات العشر المقبلة ستكون حاسمة فى تحديد مستقبل أوروبا البيئى، فإذا فشلت القارة فى التحرك بجرأة وحسم، فإن العواقب لن تقتصر على البيئة فقط، بل ستمتد إلى الاقتصاد، الصحة العامة، والأمن المجتمعي.
ورغم الإشادة بالتقدم فى خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحرارى، اعتبرت الوكالة أن التنوع البيولوجى يظل الحلقة الأضعف، إذ يتعرض للتدهور المتسارع فى البر والبحر والأنهار. وتتصاعد المخاوف الشعبية فى العديد من المدن الأوروبية، حيث يواصل النشطاء البيئيون احتجاجاتهم مطالبين الحكومات بسياسات أكثر جرأة لمواجهة التحديات.
وفى ختام تقريرها، شددت الوكالة على أن تنفيذ الصفقة الخضراء الأوروبية بشكل عاجل يعد السبيل الوحيد لبناء اقتصاد أكثر مرونة واستدامة، قادر على حماية البيئة وضمان مستقبل آمن للأجيال القادمة.